دراسات إسلامية

 

الاقتراض أسبابه ومخاطره

بقلم: الأستاذ جميل عمر الطيار

 

 

 

        أولاً : أسباب الاقتراض

     يمكن توزيع الأسباب الداعية للاقتراض على الجهات المستفيدة منها كالتالي:

     أولاً : على مستوى الأفراد.

     ثانياً : على مستوى المؤسسات.

     ثالثاً : على مستوى الدولة.

أولاً : على مستوى الأفراد

     لم يظهر في العالم إلى الآن شعب كل أفراده ممن يحسبون العاقبة ويمارسون أساليب الاقتصاد والتنظيم ويكونون كلهم مرفهي الحال.

     فهناك اختلاف في الطبائع البشرية في كل طبقة، وفي كل زمن، ويوجد في كل جماعة، وشعب جميع أنواع البشر: السخي، والبخيل، والمقتصد، والمسرف...

     وعليه فلا بد للأفراد من الاقتراض للأسباب التالية:

     -  تمويل مشاريعهم الاستثمارية الخاصة.

     -  دعم أصحاب الحرف والمهن.

     -  إقامة البنية التحتية للأفراد بناء مسكن، شراء أثاث، زواج، شراء سيارة...

ثانياً : على مستوى المؤسسات والشركات

     - الحاجة إلى فتح خطوط إنتاج جديدة.

     - الحاجه إلى فتح فروع أخرى.

     - شراء حصص وأسهم من بعض الشركاء والمساهمين.

     - تجاوز ومواجهات المخاطر المحتملة والأزمات والخسائر...

ثالثاً : على مستوي الدولة

     لم تزل القروض تشكل خطورة في اعتماد الدولة عليها كمصدر من مصادر الإيراد العام؛ لكن هناك حاجة للقروض، خاصة الدول الآخذة بالنمو(1).

     وقد تغيرت النظرة للقروض العامة، فهي ليست وسيلة استثنائية لحصول الدولة على الأموال اللازمة لمجابهة النفقات غير العادية، بل ينظر إليها الكُتاب المعاصرون باعتبارها موردا عاديا لتغطية نفقات الدولة.

وعليه فهذه بعض الأسباب الداعية لها:

     1.  تمويل المشروعات التنموية.

     2.  ظروف الحرب التي قد تخوضها بعض الدول.

     3.  دعم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

     4.   مقابلة الإنفاق الجاري.

     5.  انخفاض معدلات الادخار المحلية وعجز القنوات التمويلية المحلية عن تمويل احتياجات الدولة والخطط الاقتصادية والاجتماعية.

     6. علاج اختلال ميزان المدفوعات، ومن ثم فإن الدولة تستطيع عن طريق القروض الخارجية أن تحصل على حاجاتها من العملة الأجنبية.

     7.  درء الأزمات وتحسين توزيع الدخول، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وامتصاصها للقوة الشرائية الفائضة.

     8.  لحاجتها إلى العملات الأجنبية سواء كان ذلك لتغطية عجز في ميزانها الحسابي، أو لدعم عملتها وحمايتها من التدهور.

     9.  للحصول على ما يلزمها من سلع إنتاجية وسلع استهلاكية .

     10- الاقتراض يمكنها من الاستفادة من الخبرات التي تنقصها.

 ثانياً : مخـاطر القـروض

* على مستوى الدولة

     إن ما سبق ذكره من الأسباب الداعية للاقــتراض رغم وجاهة بعضها إلا أنها لا تقف أمام التــداعيات الخطــيرة إزاء نتـائج الاقتراض!!! على جميع المستويات والمجالات الاقتصاديـة، والاجتماعية، والأخلاقية بل والإنسانية !!!.

     لأن المادية البحتة، ودوافع نزعة الاستعلاء والتحكم والإذلال هي في الغالب الدافع الرئيس للاستغلال السيِّء للقوة المالية من قبل المقرض للمقترض.

     ليس أدل على ذلك على سبيل المثال: مما أورده صاحب كتاب (تاريخ فؤاد الأول الاقتصادي)(2) «...إذ أصبحت مصر لا تتمكن من إصدار القروض إلا بموافقة الحكومة الأجنبية، فقرض 24/سبتمبر 1864م برهن أطيان (الدقهلية والشرقية) لسداد أقساطه، فحجز على أموال مصرية كان يمكن الاستفادة منها في مشروعات مصر العامة. وتدخل المراقبون الأجانب في شؤونها مما زاد في عملية القرض عندما قامت بإصدار قرض(5/يناير 1866م) هيئة (أوبنهايم المالية الألمانية) رهنت في مقابله إيرادات الحكومة المصرية من السكك الحديدة.

     قرض(11/دسيمبر1865م) المعروف بـ(قرض الدائرة السيئة الأول) مع بنك (الإنجلوجييان) فقد رهن ممتلكات الخديوي فأصبحت أراضيه عرضة للتدخل الأجنبي في أهم مورد من موارد الاستقلال».

     أضف إلى ذلك المخاطر الكامنة وراء الدوافع السياسية، والاقتصادية لمنح القروض من قبل الجهات المانحة.

أولاً: الدوافع الاقتصادية

     الإقراض تصريف فائض الإنتاج، وهذا ما تفعله معظم برامج المعونات الأمريكية، وخاصة برنامج المعونات الغذائية حتى أنه في عام 1978م كان ما نسبته14% من القمح الأمريكي المصدر للدول النامية مصدراً عن طريق برنامج المعونات الغذائية. وفي عام 82-1983م كان 43% من المعونات الإنمائية الثنائية التي قدمتها الدول الأعضاء في لجنة المساعدة الإنمائية مشروطة بالشراء من البلد المانح(3).

ثانياً: الدوافع السياسية

     ترجع إلى عوامل مذهبية تتمثل في رغبة الدول المقرضة في مساعدة الدول المؤيدة لها في الاتجاه السياسي بدرجة أو بأخرى، أو الرغبة في إبعاد بعض الدول الفقيرة عن نفوذ بعض الدول المعادية للدولة مانحة القرض.

     ليس أدل على ذلك من تدفق القروض الحكومية ففي(4) «مصر قبل عام 1973م لم تكن تحصل على معونات تذكر من (الولايات المتحدة الأمريكية) وبعد توقيع اتفاقية (كامب ديفيد) حصلت مصر على وعد من الرئيس الأمريكي (كارتر) بالمساواة بإسرائيل، وبناءً على ذلك قدمت الولايات المتحدة الأمريكية لمصر عام 1975م مبلغ (8.5) مليار دولار في صورة قروض ومنح».

     وخلال الفترة من (1981-1982م) خصصت الولايات المتحدة ما نسبته (39%) من إجمالي المساعدات الثنائية ومنها القروض التي قدمت لكل من مصر وإسرائيل(5).

     بل إن الولايات المتحدة الأمريكية خصصت «صندوق المعونة الاقتصادية» لمنح القروض للدول ذات الأهمية السياسية بالنسبة لها، فهذه الصناديق تهدف إلى استخدام المعونة الاقتصادية بما فيها «القروض» أداة من أدوات السياسة الخارجية.

* على مستوي الشركات والمؤسسات

     فأول خطر رئيسي لها هو اعتماد الفائدة من أول يوم يُسلم فيه القرض للمقترض فتحسب تكلفة رأس المال للمشروع حتى ولولم يبدأ!!، ناهيك عن أول يوم يبدأ في الإنتاج. وكذلك العبء الإضافي على تكلفة المُنتج بسب الفائدة، عما لوكان المُنتج خاليةً تكلفته من عبء الفائدة!!! وبالتالي فإن تصريف المنتج سوف يكون صعباً إن لم تنتقل السلعة والمنتج إلى الكساد.

* على مستوى الأفراد

     فإن الفرد يُنفق أثناء القرض أكثر من دخله، كذلك الإضافة الغير معقولة على القرض فبالتالي  يُسبب الأزمات الاقتصادية من ناحيتين:

     الأولى: ما تحققه الجهات الممولة للقرض من إثراء غير مشروع، بسبب حصولهم على الفوائد على القروض دون المساهمة في مخاطرة مشروعهم.

     الثانية: اتجاه هذه الجهات الممولة للقرض إلى التوسع في الإقراض أوقات الرخاء وميلها إلى تقنين الإقراض في أوقات الركود، أو منعه خوفاً من احتمالات الخسارة وعملا على استرداد قروضها وإرغاماً للمقرضين على السداد أو بيع أصولهم لسدادها(6).

     هذا و تعتبر ظاهرة ازدياد القروض إحدى الصفات المالية للدولة في العصر الحديث، وقد زادت سرعة تكوين القروض العامة منذ الحرب العالمية الأولى.

     «ففي الولايات المتحدة بلغت القروض في عام 1890م مبلغ 1.10 بليون دولار والتي ارتفعت إلى 24.3 بليون دولار عام 1920م ثم ارتفعت إلى 43 بليون دولار سنة 1940م وقدرت عام 1959م بمقدار 284 بليون دولار»(7).

     وبالرغم من الخلافات التي تُثار بشأن القروض وخطورة الاعتماد عليها كمصدر من مصادر الإيراد العام نظرا للمشاكل التي تثيرها من حيث أعبائها الاقتصادية، فما زالت من المصادر الهامة لتغطية النفقات الغير العادية، بل على العكس فقد تزايدت أهميتها وتزايد حجمها بالنسبة لمعظم دول العالم ولا سيما الدول الأخذة في النمو والتي تفتقر إلى موارد تمويل مشروعاتها التنموية(8).

     وعطفاً على ما سبق فإننا لا نستطيع الجزم أنه بإمكان شخص ما أو جهة ما منع ظاهرة القروض فهي جزء من سلوك الإنسان على مدار التاريخ!!

     أضف إلى ذلك أن مقتضيات الحياة في الجوانب المالية - أصبحت ملحةً وأنه لا غنى للناس عن التداول بالأموال فيما بينهم وتبادل منافعها فها هو نبي الأمة على رأس هرم الدولة مات ودرعه مرهون في صاع شعير عند يهودي(9) «حدثنا أنس بن مالك:» أنه مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير، وإهالة سنخة قال: ولقد رهن درعه عند يهودي بالمدينة، فأخذ منه شعيرا لأهله».

     ليقرر لمن حوله ولمن يأتي من بعده أن تبادل الناس فيما بينهم بالأموال واستقراضها سنة من سنن الحياة؛ لكن وفق الضوابط والتشريعات الإسلامية التي تراعي المقرض ولا تضر بالمقترض، ولعل أساليب التمويلات الإسلامية وصيغها المتعددة فيها ما يغني عن القروض الربوية ويسد حاجة الناس، ويرفع الحرج الشرعي، ويحقق الأهداف الاقتصادية بامتياز. 

*  *  *

الهوامش:

(1)     عبدالرحيم بواد تجي: مبادئ علم الاقتصاد والمذاهب الاقتصادية   صـ 201.

(2)     محمد فهمي الهبيطة: تاريخ فؤاد الأول الاقتصادي    مطبعة الشبكي مصر صـ 430.

(3)     عبد العال الصكبان:  مقدمة علم المالية العامة  - ط ثانية العراق- 1976م - ج 2 - صـ 490.

(4)     - مجلة الأهرام الاقتصادي عدد839 فبراير 1985 صـ 32.

(5)     - البنك الدولي تقرير عن التنمية في العالم  صـ 119.

(6)     محمد عبد المنعم جمال: موسوعة الاقتصاد الإسلامي، دار الكتب الإسلامية، القاهرة- ط2 1986م، صـ 401.

(7)     تاريخ فؤاد الأول الاقتصادي - مرجع سابق صـ 430.

(8)     المصدر السابق صـ 460.

(9)     أبو عبد الرحمن النسائي: السنن الكبرى مؤسسة الرسالة بيروت تحقيق حسن عبد المنعم شلبي ط1 -2001م ج6 صـ 58.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، محرم - صفر 1436 هـ = نوفمبر – ديسمبر 2014م ، العدد : 1-2 ، السنة : 39